الملك تحتمس الثالث ابن تحتمس الثانى و سادس ملوك الأسرة الثامنة عشر ، بدأ الفرعون تحتمس الثالث بعد وفاة حتشبسوت ووصل إلى العرش مرة أخرى.
تمثال الملك تحتمس الثالث من متحف الأقصر |
ترك thutmose العنان لغضبه وحب الانتقام منها ، وصمم على تعذيب حتشبسوت بقوة من الناحية المعنوية وذلك بعد وفاتها أى فى ذكراها وفى خلود أسمها. ولتنفيذ ذلك لجأ تحتمس الثالث إلى محو اسم الملكة حتشبسوت من على ملكية كل الآثار الفرعونية فى عهد الأسرة الثامنة عَشر، ولمدة تقرب من العام ، أستقر الفرعون تحتمس الثالث فى طيبة لكى يقوى مركزه. لقد سلمه ابوه تحتمس الثاني لرجال الكهنة ليثقفوه وليغرسوا فى قلبه حب المعبود أمون رع ، وعندما اعتلى الفرعون تحتمس الثالث العرش مرة أخرى وبلغ العام الثانى والأربعين من حكمه سجل أنه كيف وصل إلى الحكم فى تلك الأسرة.
أعمال الملك تحتمس الثالث الحربية
يرجع الفضل فى شهرة عهد الفرعون تحتمس الثالث الكبيرة ، إلى مجهوده الحربى وكان ويعتبر بالتأكيد أكثر الملوك المصريين ذكاء فى فترة الأسرة الثامنة عشر والذي دفع بسيطرة إمبراطورية بلاده إلى أبعد الحدود ، وطبقاً لدراسة مومياء المَلك تحتمس الثالث وتماثيله العديدة ، فيبدو إنه كان رجلاً قوياً وموهوبا إلى أقصى درجة ويمتاز بنشاط كبير وتميز بالكثير من الذكاء فى الحملات الحربية التى قادها ، والتكتيك الحربى الذى قام بتنفيذه ، مما جعل تحتمس الثالث أعظم رجال الحرب فى عصره وأحد أقوى ملوك الأسرة الثامنة عشر ، ذلك الرجل الذى نجحت الملكة حتشبسوت فى تنحي الملك جانبا لعدة سنوات.
فنجد اولاً سياسة المهادنة التى اتبعها أسلافه تجاه بلاد النوبة جنوب مصر بهما قد مهدت له الهدواء على الحدود مصر الجنوبية مصرية ، لذلك اتجه الفرعون تحتمس الثالث إلى الشرق ، حيث كان يأتى الخطر الحقيقى لملوك مصر .
تقدم تحتمس الثالث بجنوده فى حملة نحو مجدو من القنطرة وقطع 150كم شمال دمشق (تل تبى مند الحالية) وهى مدينة ذات موقع حربى ممتاز ، إذ وقعت فى الطرف الشمالى من سهل البقاع. ووضع أمير قادش نفسه على رأس تحالف من الملوك الصغار والأمراء السوريين ، الذين ثاروا ضد السيطرة المصرية التى فرضها عليهم تحتمس الاول.
تحتمس الثالث ومعركة مجدو
تقدم أمير قادش حتى مدينة مجدو على بعد 25 كم تقريباً من نازرت الحالية ، ودعا هناك إلى تجمع كل قادة الثوار الآخرين وبعد سير مجهد بطول الشاطئ ، وصل الملك تحتمس الثالث إلى نقطة يستطيع منها مهاجمة المدينة فجأة بعد أن عبر جبال الكرمل عن طريق هضبة ضيقة ووعرة ، ولم يتوقع خصوم تحتمس الثالث إنه سيجازف بهجوم مباغت منها ، فقد اختار وتحتمس الثالث الطريق المباشر الصعب الذى ينفذ به رأساً إلى أول المدينة. وظن أعداؤه انه سوف يسلك أحد الطريقين الآخرين ، فكلاهما رحب متسع ، وبدأ تحتمس الثالث بهجوم خاطف ، وتمكن من دخول المدينة المحصنة ، التى اجتمع فيها أغلب الأمراء و حكام المنشقين مع جيش أمير قادش الذى كان تقدم نحو الجنوب لكى يغلق عليه منافذ الطريق التى يمر منها عادة ونجح تحتمس الثالث فى القضاء على العدوالذى هرب تاركاً فى الميدان خيوله وعرباته ، وبينما كان أكثر الأعداء يهلون نحو السهول دون أن يظهر لهم ، بعد ذلك كان أمير قادش وبعض أعوانه يعبرون خلف جدران المدينة من الداخل عن طريق رفهم بالحبال ، وحوصرت المدينة لمدة قصيرة هرب خلالها أمير قادش فى جنح الليل عائداً إلى بلاده ، وعندما استسلمت المدينة إلى تحتمس الثالث ، لم يكن الأمير من بين مئات الأمراء الثائرين الذين أستسلموا ، قام بأسر عدد من نسائه واصطحبوهن فيما بعد إلى فرعون مصر.
ولم يأخذ أعدائه بالشدة والعنف ، ولكنه عامل هؤلاء الأمراء بعطف كبير ، فقد عفا عنهم جميعاً، وثبتهم فى ممالكهم إمارتهم بشرط أن يرسل واحد منهم ابنه ووريثه إلى مصر لكى ينشأ ويتعلم طبقاً للتقاليد المصرية فى البلاط الملكى.
وكان نظام الحكم فى مناطق النفوذ قائماً على الحكومات المحلية تبقى فى أماكنهم طبقا لمدى طاعتها. ويدفعون الجزية سنوياً ويرسلون الأمراء الصغار إلى مصر ليتعلموا حضارتها وثقافتها ويصبحوا بعد ذلك مواليين أوفياء لملك مصر الفرعون.
وكانت هناك بعض الحاميات المصرية ، وعٌين تحتمس الثالث على كل منطقة موظفين مصريين يقومون بدور التفتيش ، ويقيمون فى كبريات المدن ، وأصبحوا عهدا لعدم وجود اتحاد يربط بين هذه المدن لا يمكنهم مواجهة الملك تحتمس الثالث الذى اكتفى أن يحلف له أمراء و ملوك هذه البلاد اليمين بالولاء والإخلاص والطاعة، وكانت مدن الشاطئ مثل بيبلوس واوجاريت تتلقى المساعدات عن طريق البحر عن طريق أساطيل عددة.
وكانت التقارير عن سير العمليات الحربية تكتب على صفحات من الجلد ثم تنقش بعد ذلك على جدران بعض قاعات معبد أمون رع بالكرنك ، وهى لون من ألوان الدعاية له. هكذا أثبت المصريون بدرجة كبيرة أنهم شعب أنسان ، ومن بين غنائم الحرب التى تُعرف بعد المعركة حصلوا على أكثر من ألفى حصان ، وأكثر من ألف عربة حربية ، ومئات من ملابس الفرسان ، وأيضا رداء من البرونز لملك قادش والأمير ، وموائدها من الأبنوس والعاج والذهب ، واخيرا كميات كبيرة من الأوانى الثمينة والحلى.
وتعد هذه المعركة من أكبر المعارك فى التاريخ القديم ، وقد نجح تحتمس فى الحد من تقدم منافسه وأضطر إلى تأجيل العمليات العسكرية إلى السنوات التى تلت. وذكر والملك تحتمس الثالث فى الكرنك تفاصيل المعركة ، وجاء وصف هذه الحملة على لوحة أقامها الملك تحتمس الثالث ملك مصر فى جبل برقل بالقرب من الشلال الرابع. وأرسل الملك تحتمس الثالث خطاباً إلى حاكم كوش يخبره فيه بهذا النصر وقد أعدت قائمة بالآسيويين الذين تحالفوا ضد الملك تحتمس الثالث وكانوا حوالى 350 أمير ورئيس قبيلة.
وكانت عودة الملك منتصرا إلى طيبة مجالاً لعدة احتفالات ، لإنها كانت المرة الأولى فى تاريخ البلاد ، أن أحرز مَلك على رأس جيشه المصرى مثل هذه الانتصارات ، وكان نداً فى معركة حقيقية لجيش آسيوى منظم ويحارب على أرض أجنبية بعيدة و هى أيضاً أول اختبار عالمى لقوة المصريين الذين أثبتوا فى كل المجالات انهم يفوقون عدوهم وبمناسبة الاحتفالات ضمن بهذا النصر شيدت المقاصير الجديدة فى معبد الكَرنك وفى اماكن أخرى.
وأعد موكب الاحتفال والمراسم الدينية الكبرى ، وقد حمل تمثال آمون فى موكب كبير من الكَرنك إلى الأقصر ذهاباً وأياباً ضمن الأحتفال ، وقدمت القرابين المختلفة من حيوانات وطيور ، وكنت سحب البخور تتصاعد من على بعض موائد القرابين.
وفى هذه الفترة توفيت زوجة المَلك تحتمس الثالث الملكة نفرو رع أبنة تحتمس الثاني وحتشبسوت. وتزوج تحتمس الثالث من أختها الصغرى حتشبسوت - مريت رع والتى كانت أيضاً تحمل لقب " الأخت ".
وبعد ذلك قام تحتمس الثالث بستة عشر حملة بينها كالآتى:
تعرف على حملات الملك تحتمس الثالث إمبراطور الشرق الأدنى
الحملة الثانية :
فى السنة الرابعة والعشرين ، لتفقد الأوضاع ، والقيام ببعض المناورات لإظهار القوة ، ولم يكن هناك قتال فعلى.
الثالثة :
فى السنة الخامسة والعشرين ، أحضر أثناء عودته إلى مصر بعض الأشجار والأزهار والنباتات وبعض الطيور والحيوانات النادرة ، وقام بنقل بعض هذه الأزهار وغرسها فى معبد آمون فى الكَرنك وفى حديقة قصره الملكى ، وبقى من هذه النباتات حوالى 175 نباتاً أو بعض أجزاء من نبات. عرف منها الزمان ، وصورت كل هذه النباتات والطيور فى قاعة ملحقة ببهو الأعياد الخاص بالملك فى الكَرنك.
الرابعة :
لا نعلم نعلم أى شئ عنها بسبب تشويه النص وتحطيمه. وبعد هذه الحملات كرس تحتمس الثالث جهوده لتنظيم البلاد ، وأبدى اهتماماً ملحوظاً بالنهضة العمرانية ، بمعاونة الوزير الأول " آمن-أوسر" وهو أحد النبلاء.
وقد وصف لنا هذا الشخص كما لو كان الرجل " الذى يفعل ما تحبه كل الطبقات من أعلى وأيضا من أسفل ، الذى يهتم بالأغنياء وأيضاً بالفقراء ، الذى يحمى الأرامل دون عائل ، الذى يساعد الشيوخ والعاجزين ، الذى يعين الأبناء فى الوظائف التى كان يشغلها آباؤهم ، ويوفر السعادة لكل أنسان ". وحفر لنفسه مقبرة فى البر الغربى رقم 131 .
الخامسة :
فى السنة التاسة والعشرين ، بدأ تحتمس الثالث يهتم بتأمين سبل مواصلاته ، واستولى على بعض مدن الشاطئ الفينيقى وتغلل حوالى 250 كم إلى الشمال أكثر و تكشف ما استولى ليه الملك تحتمس الثالث من المدن التى ثارت ضده ، وعن أحدهما يقول " كانت الحدائق - فيها - مليئة بالفواكه ، والنبيذ يملأ المعاصر ، وينساب كالماء ، على حين كان القمح على الشاطئ أوفر من رمال الشواطئ ، حتى أن القوات كادت تختنق من كثرة الغذاء وما قرر لهم. وكان الجنود مستريحى البال وكانوا يدهنون أجسادهم بالزيت كل يوم كما كان يحدث فى مصر أثناء الأعياد". وبعد استيلاء تحتمس الثالث على أحد موانى فينيقيا ، أصبح تحتمس الثالث متاحاً له تجنب الطريق البرى الصحراوى الطويل.
السادسة :
فى العام الثلاثين للملك تحتمس الثالث ، وذلك بسبب اندلاع ثورة فى فينيقيا، ويبدو انه تزعمها أمير قادش عدوه القديم فخرج إمبراطور تحتمس الثالث للقضاء على هذه الثورة عن طريق البحر وإتجه نحو قادش على نهر العاصى واستولى عليها كما استولى على مَدينة " تونيب ".
السابعة :
فى السنة الحادية والثلاثين ، قد خصصها تحتمس الثالث للأستيلاء على العديد من الموانئ الواقعة فى فينيقيا.
الثامنة :
فى السنة الثانية والثلاثين ، وهى أقوى حملات تحتمس الثالث الحربية ، فبعد الحملة السابعة شعر بانه قوى بالقدر الذى يكفل له القيام بهجوم واسع النطاق ، رحل عن طريق البحر، ونزل تحتمس الثالث فى فينيقيا وبر سوريا ، ووصل إلى نَهر الفُرات ، الذى عبره تحتمس الثالث بواسطة مراكب شيدت طبقا لأوامره فى بيبلوس ، وقطت أخشابها من هناك بعد ذلك نقلها عبر الصحراء.
وتقابل مع الميتانيين وانتصر عليهم ، وتتبعهم فى وسط الجبال ، واستولى على الأراضى التى تقع شرق الفُرات ، وأقام على الشاطئ الأيمين لنهر الفُرات لوحة حدود فى مواجهة اللوحة التى أقامها تحتمس الاول.
وكان لانتصار الملك الأسطورة تحتمس الثالث ملك مصر حدث رد فعل كبير ، ليس على الميتانيين فحسب ، بل على جيرانهم أيضاً الذين لم يدخلوا الحرب ضد مصر مثل الآشوريين والبابليين والحيثيين والذين رأوا أنه من الأفضل وكنوع من الحرص أرسال الجزية إلى تحتمس الثالث المنتصر فى النهاية ، وهناك أستقبل سفراء ملك بابل وخيتا الذين كانوا يحملون هداياهم من فضة وأحجار كريمة وأخشاب نادرة إلى الفرعون تحتمس الثالث.
ولكن هذا لم يمنعهم لحظة فى التفكير فى تحطيم هذه القوة التى تقلقهم ، وكان على الملك تحتمس الثالث أن يظهر من وقت لآخر قوته العسكرية لكى تعرف تلك الثورات قوة فرعون مصر ويقضى عليها فى مهدها. وبفضل الانتصار على ميتانى ، أصبح جزء كبير من فينيقيا خاضعاً لنفوذ مصر.
التاسعة :
فى السنة الرابعة والثلاثين استولى تحتمس الثالث على " جاهى " على الساحل الفينيقى.
العاشرة :
فى السنة الخَامسة والثلاثين انتصر فيها تحتمس الثالث على بلاد النهرين التى قَامت بثورة ضده.
الحادية عشر : فى العَام سادس والثلاثين أقام الفرعون تحتمس الثالث حملة ولكن للأسف النص مشوه ، وأيضا فى حملته الثانية عشر النص أيضاً مشوه.
الثالثة عشر :
فى السنة والثلاثين من حكم الفرعون تحتمس الثالث توجه فيها إلى شمال سوريا وأخضع ثورة قَامت هناك
الرابعة عشرة :
فى السنة التاسعة والثلاثين حارب الملك المصرى تحتمس الثالث فيها البدو الذين يستقرون فى شمال شرق مصر.
الخامسة عشرة : فى السنة الأربعين وكانت حملة تحتمس الثالث لجمع الجزية.
السادسة عشرة :
فى السنة الثانية والأربعين حاصر الفرعون تحتمس الثالث فيها قادش التى اتحدت من جديد واستولى عليها.
وكان من نتيجة هذه حملات عبقرية تحتمس الثالث المتكررة أن ارتفعت و اتساع هيبة مصر فى كل سوريا. ومن الواضح أن البلاد التى هزمت فى الواقع لم تكن محتلة كلية، واكتفى الملك تحتمس الثالث باصطحاب أبناء الأمراء والرؤساء المهزومين إلى الإمبراطورية المصرية حتى يلمسوا أمجاد وعظمة وحضارة المملكة المصرية التى بهرت العالم آنذاك ، ويتشبعوا بها وكانوا أوفياء فيما بعد ، وكى يصبحوا موالين لمصر ولحضارتها والتعليم هناك ، ويدينون بالولاء لحكامها ، ووضح الأمر فيما بعد أن هذه السياسة كانت غير كافية على الرغم من قوة مملكة الأسرة الثامنة عشر إلا أن وجودها فى آسيا وبقاءها كان يحتاج دائماً إلى تعضيد بواسطة حملات حربية متكررة.
وامتداد مناطق محيط نفوذ ملوك مصر القديمة يفسر الرخاء الذى توالى على طيبة فى الأسرة الثامنة عشر والعناصر المتعددة من الأجانب الذين مروا بها وأصبحت مدينة الجنوب عاصمة عالمية كبرى ، حيث أصبحت ملتقى المنتجات التى تأتى من جميع الأطراف ومتبادلاً للأفكار دون توقف ، ولكى يحكموا آسيا اضطر المصريون إلى توسيع معرفة لغات هذه البلاد وخاصة الأكادية التى كانت لغة دبلوماسية عالمية ، وقد اتصلوا بأفكار هذه الشعوب وآدابهم ، وقد عادت هذه العلاقات بثراء فكرى ودينى بالنسبة للمصريين.
والتزمت آسيا بالهدوء ، منذ ذلك الوقت على الأقل حتى لحظة وفاة الملك تحتمس الثالث. وفى نهاية حكمه ، قَام الملك تحتمس الثالث بحملته السابعة عشرة ، وقد أستغل تحتمس الثالث قيام ثورة محلية فى الجنوب ، فذهب إلى هناك وقضى عليها ، ولا نعرف تماما الحدود الجنوبية التى وصل إليها تحتمس الثالث ، ربما وصل تحتمس إلى الشلال الرابع حيث عثر هناك على لوحة فى جبل برقل تخلد ذكرى تحتمس الثالث والانتصار ، وقَام أيضا بتطهير القناة عند الشلال الاول ، ورمم معبد سونسرت الثالث عند سمنة قرب الشلال الثاني وأمر بتقديس هذا الملك إلى جانب معبودات المنطقة خنوم وددون.
وقد خُلد للمك المصري تحتمس الثالث ذكرى انتصاراته فى النوبة على الصرحين السادس والسابع بالكرنك وذكر أسماء العديد من البٌلاد والأقاليم الجنوبية التى استولى عليها.
وهكذا فى عام 1450 ق.م كانت حدود مصر تمتد من نباتا - جنوباً - حتى نهر الفرات فى الشمال والشرق ، وقد وصلت مصر إلى أوج مجدها ، لم تصل إليه بعد ذلك ، بل على العكس أخذت فى الأنكماش شيئاً فشيئاً ، ولكن ما حققه الملك تحتمس الثالث سوف يساعدها على أن تحتفظ بذلك المجد أكثر من قرن من الزمان. وليس من الغريب أن تصف بعض النصوص تحتمس الثالث كما لو كان "الثور الصغير الهائج" الذى يهدد بقرونه ، ولا يقف أمامه شئ" و"التمساح سيد الرعب فى المياه والذى لا يمكن اقترابه" ، "السيد المجنح الذى ينقض على الفريسة التى يراها" وأيضاً "سيد الضوء، الذى يبهر وجوه أعدائه" أو ذلك "اللهب السريع الذى يلقى بناره ، ويحرق ما حوله باللهيب".
النشاط المعمارى للملك تحتمس الثالث
التاريخ يذكر تحتمس الثالث من أعظم فراعنة الأسرة الثامنة عشرة وطوال مدة حُكمه المديد الذى دام حوالى ثلاثة وخمسين عاماً ، اتجه الملك تحتمس إلى الأهتمام بإرادة مناطق نفوذه وبناء المعابد الضخمة والأبنية الكبرى ، وفيما بين الصرحين السابع والثامن بالقرب من البحيرة المقدسة فى الكَرنك أقام تحتمس الثالث بمناسبة يوبيله الأول ، جوسقا صغيرا فوق قاعدة من حجر رملى ، وشيد كذلك مسلات عديدة ، مما أقامه فى الكَرنك مسلتان أمام مسلتى أمام مسلتى تحتمس الأول ، و أسس فى عهده ومسلتان أمام الصرح السابع و مسلة تحتمس الثالث فى شرق المعبد ، وقد نقلت منها مسلة إلى القسطنطينية ( إسطنبول حالياً) وأخرى فى روما.
وأقام تحتمس الثالث المسلات فى مَعبد أيونو وقد نقلت مسلتان منها إلى الإسكندرية ، وأهدى محمد على أهداها إلى إنجلترا ، نقلت من مصر إلى لندن عام 1877 حيث أقيمت على ضفاف وادى نهر التيمز ويطلق عليها اسم " مسلة كليوبترا " ، وأهدت المسلة الثانية إلى الولايات المتحدة ، ونقلت إليها عام 1880 وهى الآن فى سنترال بارك فى نيويورك.
وأيضا للملك تحتمس الثالث فى الكرنك عمودان من طراز خاص ، كل منهما من حجر واحد من الجرانيت الوردى ، ويغلب على الظن أنه كان يعتمد عليهما سقف ردهة كانت أمام قاعة القارب المقدس.
وقام تحتمس الثالث بتشييد بهو الأعياد فى مَعبد الكَرنك ، والصرح السابع وشيد لنفسه معبداً جنائزياً فى البر الغربى فى طيبة فى الشمال من الرمسيوم. وشيد الهياكل الجميلة منها مقصورة صغيرة أقامها الملك تحتمس الثالث للمعبودة حتحور فى البر الغربى جنوب مَعبد حتشبسوت فى الدير البحري. وقد أقام فيها ابن تحتمس الثالث الملك أمنحتب الثاني تمثالاً للمعبودة حتحور يمثلها فى شكل بقرة بحجم طبيعى. ويعد هذا التمثال من أروع ما أخرجه المثال المصرى من تمثيل الحيوان.
تعرف على الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث :
سر العداء بين حتشبسوت وتحتمس الثالث فى الأسرة الثامنة عَشر فى نهاية حياة تحتمس الثالث سمح لنفسه بالانتقام الأخير من العداء نحو الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الثالث وذلك بمحو اسم حتشبسوت من النقوش ، واضطرت زوجتة حتشبسوت - مريت رع إلى ترك الجزء الأخير من أسم حتشبسوت. وفى معبد الملكة حتشبسوت فى الدير البحرى نجد أسمى تحتمس الثالث و أبيه قد نقشا فى أماكن عديدة محل اسم حتشبسوت لأنه يعتقد بأن حتشبسوت اخرت حكمه وبأن حتشبسوت ايضا اغتصبت عرشه لسنوات عديدة. وأحاط المسلات أقامتها حتشبسوت فى الكَرنك بأبنية حتى لا يظهر منها سوى القمة فقط.
وعلى الرغم من أن هذه الأعمال توضح لنا مدى كره حتشبسوت والملك تحتمس الثالث ، التى كانت السبب فى تاعسته وإهماله السنوات الاولى من حياته ، فإن تحتمس الثالث كان ذا طابع لطيف ورقيق فكان تحتمس الثالث يحب فن نحت التماثيل وجمع الأزهار النادرة. ونقراء أيضا أن من الهدايا الثمينة التى أمر تحتمس الثالث بصنعها لأهداائها إلى معبد امون رع بالكرنك أو أن رسم تصميمها بنفسه. وقال عنه أحد وزرائه : "كان جلالته يعلم كل ما يحدث ولا يخفى عليه (أى) شئ، كان مثل تحوت معبود الحكمة فى كل شئ ولا يبدأ عملاً إلا وأنجزه".
وأبرز مثل لحكمة تحتمس الثالث نصائحه لوزيره رخمى رع حينما عينه وزيرا وفيها تصور واضح لسياسة الحكم وما يجب مراعاته لحكم الشعب ولاقة الحاكم بالمحكوم.
وكان رخمى رع يشغل وظيفة وزير المدينة الجنوبية ونرى فى مقبرته رقم TT100 مناظر تمثل الأجانب منها مناظر حاملى الجزية السوريين ، وكذلك بعض الصناع والكتبة وبعض الموظفين الذين حضروا إلى مكتب الوزير لإنجاز بعض الأعمال. وهناك أكثر من 52 مقبرة لكبار الشخصيات من عهده.
لم تمنع طبيعة الملك تحتمس الثالث العسكرية من أن يصفه رخمى رع بأنه "كان أباً وأماً للناس أجمعين" وان يشهد من خبر رع سنب برقة إحساسه وذوقه وأنه كان يقضى بعض ساعات النهار فى ابتكار رسوم الأوانى التى سوف يهديها لمعبد آمون.
وفاة تحتمس الثالث :
وفى السنة الأخيرة من حُكم المَلك تحتمس الثالث - عندما بلغ سن السبعين - أتبع تحتمس الثالث الفراعنة العظماء من الأسرة الثامنة عشر والعادة المصرية القديمة وهى إشراك ابنه على عرش مصر بجانبه ، وكان هذا الشاب امنحتب ويبلغ أربعة وعشرين عاماً، وكان ابنا للملكة حتشبسوت - مريت رع وعلى الرغم من صلة القرابة فى الأسرة الثامنة عشر ، فإنه كان قوياً من الناحية الجسمانية .
وقد توفى تحتمس الثالث عام 1450 ق.م بعد أن تجاوز السبعين بقليل ، يعتبر جلس تحتمس الثالث على العَرش مصر حوالى أربعة وخمسون عاما فى عهد الأسرة الثامنة عَشر، ودفن مومياء الملك تحتمس الثالث فى مقبرة سرية التى حفرها تحتموس الثالث فى الطرف الجنوبى من وادي الملوك بالقرب من مقبرة أبيه تحتمس الثاني ، وهى تحمل رقم 34 وهى تشبه مقبرة امنحتب الثانى فى طرازها المعمارى وقد نقشت حجرة دفن المَلك تحتمس الثالث نصوص تمثل النسخة الاولى كاملة لكتاب ما هو موجود فى العالم الآخر"الامى داوات" بفصوله الأثنى عشر. وقد تم نقل مومياء الخاصة بالملك تحتمس الثالث إلى متحف المومياوات المصرية بالفسطاط اليوم.
المصادر :
1- A
2- B
3- أنماط الدعاية السياسية في مصر القديمة حتي نهاية عصر الدولة الحديثة ( ١٥٧٠ -١٠٧٠ ق.م) المجلة الدولية للتراث والسياحة والضيافة - تصدرها كلية السياحة والفنادق – جامعة الفيوم، المجلد (13) ،(العدد )1 مارس 2019
4- قادة مصر الفرعونية - حتشبسوت ، الهيئة العامة المصرية للكتب مصر 2008