القائمة الرئيسية

الصفحات

تهشير المناظر فى المعابد المصرية

تهشير المناظر فى المعابد المصرية

بقلم /  دكتور محمود حسان على

تهشير المناظر فى المعابد المصرية
الملكة حتشبسوت


محاولة لفهم السبب الحقيقى من هذه الظاهرة

اختلف الكثير من العلماء والباحثين فى علم المصريات عن السبب الذى جعل الاقباط الاوائل فى مصر يمحوا ويهشموا بعض المناظر الخاصة بالمعبودات والملوك المنقوشة على جدران المعابد المصرية وايضا المقابر ، والتى استقر البعض منهم داخلها لاسباب عديده ، وبالرغم من وجود تهشير ومحو لمناظر وصور ملوك وافراد فى العصورالفرعونية سواء منذ عهد الدولة القديمة او عهد الدولة الحديثة ، وهذا الامريتحد جزئيا مع التهشير فى عصر بداية المسيحية فى مصر، ويمكن ان نتحدث عن التهشير والمحو فى العصرالفرعونى فى آن آخر.

ولعل الملفت للنظر فى هذا الموضوع الهام هو ان التهشير والمحو فى فترة الاقباط الاوائل كان بطريقة منظمه وممنهجة نسبيا ، وكان اغلب التهشير بنسبة 90% فى منطقة (الرأس) ومنطقة (الاقدام) ، وفى بعض الاحيان الايدى وهذا بالنسبة للمعبودات والملوك وهذه الظاهرة الممنهجه تعد هى الدافع الاكبر لدى الباحثين البحث عن الاسباب التى ادت الى هذا التهشير والمحو بهذه الطريقة الممنهجة.

ولكى نستطيع ان نستنتج ونتعرف على الدافع الرئيس لهذه الظاهرة لا بد وان نتتبع ونفند بعض الامور الهامه التى تساعدنا على استنباط المغزى الحقيقي قدر الامكان على النحو التالى :

انتهاء العصر الرومانى فى مصر

انتهى العصر الرومانى فى مصر والذى كان بين جنبات فصائلة احفاد الفراعنه (الاقباط الاوائل) ، وبما ان التاريخ والحضارة عبارة عن حلقات متصلة بعضها ببعض ، فأن الفكر الدينى والعقائدى المصري القديم لم يزل يسيطر على عقول هؤلاء الاقباط الاوائل ، فهم تشبعوا به من اجدادهم الذين شاركوا فى طقوس تلك المعابد والذين كان لديهم المعرفه التامة عن الطقوس والشعائر المصرية القديمة داخل تلك المعابد او مراسم كانت تتم داخل المقابر اثناء عملية الدفن.

فمن ضمن تلك الطقوس والشعائر والاحتفالات , كان هناك احتفالا هاما جدا يتم داخل المعابد المصرية , وطقوس هذا الاحتفال او العيد يمكنها ان تجيب عن هذه التساؤلات ، وهو احتفال " عيد رأس السنة "  والذى كان يضم ضمن مراسمه عددا من الطقوس والشعائر الهامة فى الفكر والعقيده والمفهوم الدينى المصرى القديم وأهمها طقسة ( غنمت - إتن ).

فهذا الاحتفال كان في أول شهر توت الموافق 11 سبتمبر من كل سنة عادية، ويوافق 12 سبتمبر من كل سنة كبيسة وكان  يتم هذا الاحتفال او العيد على مرحلتين فى الليلة التى تسبق شروق شمس العام الجديد .

فالمرحلة الاولى هى " الاتحاد مع قرص الشمس الغارب " والمرحلة الثانية هى " الاتحاد مع قرص الشمس المشرق.

تفاصيل الاحتفال طبقا لنصوص "سلالم و Crypts " معبد دندره ، كانت تبدأ فى اليوم الذى يسبق شروق شمس العام الجديد.

 بداية الطقوس

فى بداية الطقوس كان يتم تجميع جميع التماثيل الخاصة بالمعبودات والملوك المؤلهين المحفوظة فى " ال Crypts " بواسطة الكهنة ويتم عمل الطقوس والشعائر لتلك التماثيل حتى قبل وقت الغروب بوقت كافي وبعد ذلك يتم حمل تلك التماثيل والصعود بها الى اعلى سطح المعبد عن طريق السلم الغربي ، وتوضع تلك التماثيل فى مقصورة غير مسقوفة حتى تتحد تلك التماثيل مع قرص الشمس الغارب ، وبهذا تكون تلك التماثيل فقدت حيويتها.

واصبحت فقط احجار بلا ارواح ، لان حيوية تلك التماثيل انتهت وصعدت مع غروب الشمس اى نهاية العام ، وبعد ذلك يتم حمل تلك التماثيل فى نفس الليلة بعد ان اتحدت مع قرص الشمس الغارب والنزول بها والعوده الى قاعة التاسوع وذلك عن طريق السلم الغربى ايضا ، بمعنى ان السلم الغربي يستخدم فى الصود والنزول فى طقوس الاتحاد مع قرص الشمس الغارب فى احتفال رأس السنة.

المرحلة الثانية 

وبعد ان عادت تلك التمثيل مرة اخرى الى قاعة التاسوع وبعد ان انتزعت حيويتها واصبحت بلا حيويه ولادور، يتم عمل الطقوس مرة اخرى والشعائر والتجهيز للمرحلة الثانية وهى الاتحاد مع قرص الشمس المشرق ، ويتم حمل تلك التماثيل من قبل الكهنة وبمرافقة الملك او كبيرالكهنة والصعود بها الى اعلى سطح المعبد مرة اخرى ولكن هذه المرة عن طريق السلم الشرقي ، ويتم وضع التماثيل داخل تلك المقصورة المكشوفة وذلك قبل وقت شروق الشمس بوقت كافي.

وتتحد تلك التماثيل مع قرص الشمس المشرق وتستقبل اول اشعة من الشمس " رع " وتستعيد قوتها وحيويتها ودورها فى تنظيم الكون من خلال القوة التى اعطاها لهم " رع " لكى تكون الارض محكومة بمقتضي ورضا الالهة ، وتستطيع تلك المعبودات ان تلعب دورها فى الطقوس والشعائر داخل المعبد وتنظيم الكون  وتستقبل القرابين والتقدمات وتهب المنح للملوك

وبعد ان تتحد تلك التمثايل مع قرص الشمس المشرق تعود التماثيل مرة اخرى الى الاسفل عن طريق السلم الشرقي ايضا فى صباح اليوم الاول من العام الجديد ، وتجوب تلك التماثيل جميع جدران المعبد كى تتحد مع جميع المناظر المنقوشة على جدران المعبد ، كى تعيد تلك التماثيل الحيويه والنشاط لتلك التصاوير والمناظر والتقدمات ، والتى دائما تصور المواضيع فى زمن المضارع المستمر، بمعنى ان يصور الملك وهو يقدم القربان (مضارع مستمر) ، ولم يصور وهو قدم القربان بالفعل (ماضي) ، وكذلك العكس بالنسبة للمعبودات.

فجميع المناظر الخاصة بالطقوس والتقدمات والشعائر تمثل فى زمن المضارع المستمر ، والسبب فى ذلك هو ضمان استمرارية علاقة الملك بالمعبودات ، واستمرارية تقديم القرابين واستمرارية الشعائر والطقوس ، بمعنى (انه فى كل ثانية تقدم هذه القرابين وتقام الشعائر والطقوس فى موعدها اليومى دون انقطاع وهذا المثال ينطبق على المعابد والمقابر معا.

  • ان الاقباط الاوائل لم تزل افكارهم وعاداتهم وتقاليدهم من اصول مصرية قديمه وذلك نظرا لقرب المسافه الزمنية وتواتر وانتقال تلك العادات والتقاليد وايضا الطقوس والشعائر، فبتالى هم متشبعون جيدا بالفكر الدينى المصرى القديم ولم تزل تلك الافكار فى اذهانهم فى تلك الفترة القبطية المبكرة .
  • وحينما جاء الاضطهاد الرومانى للاقباط واضطرار الاقباط اللجوء والاستقرار فى المعابد المصرية وبعض المقابر ، وبعدها اعلن الامبراطور قسطنطين بالمسيحية كدين رسمى للامبراطورية ، وتحولت بعض اجزاء لبعض المعابد المصرية الى كنائس مبكره ، وايضا بعض المقابر .
  • وبما ان المسيحية عقيده تؤمن بالله الواحد ، فأصبحت تلك المناظر المنقوشه والمصوره على جدران تلك المعابد والمقابر هى اشياء تتنافي مع اصول العبادات المسيحية ، وايضا مع العقيده.
  • وهنا يأتى التضارب الفكرى العقائدى ، فلقد كان الاقباط الاوائل على دراية كاملة بأسرار الطقوس والشعائر والفكر الدينى ، وكانوا يعلمون جيدا ان تلك المناظر المصوره والمنقوشه على جدران المعابد والمقابر تسكنها ارواح وقوه تعطي لها الحيوية والنشاط وهى تقوم بعملها دون فتور ولا انقطاع ، ولهذا لا نستطيع ان نتعجب لانه لا يوجد شيء فى الحياة بدون مقدمات وبدايات ونهايات ، وكل هذه الظروف كانت لها التأثير القوى فى السلوك والاسلوب والفكر ، ويمحى وينسي هذا الفكر وهذه العقيدة تدريجيا مع مرور الزمن . 
  • فلذلك وبما لديهم من خلفية عن الفكر الدينى المصرى القديم ومايعتقدوه فى تلك المناظر، قاموا بتشويه وتهشير الاماكن الحيوية فى جسم الانسان او المعبود ، وذلك لضمان شلل تلك التصاوير من اداء مهامها وعدم الحركة وعدم استمرارية تلك الطقوس والشعائر والتقدمات الوثنية فى اعتقادهم الجديد.

reaction:
Ancient Egypt
Ancient Egypt
عبدالرحمن محمد توفيق ، باحث ماجستير فى الديانة المصرية القديمة ونصوص العالم الأخر ، مرشد سياحى وعاشق لتاريخ وحضارة مصر القديمة ، أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن ما نًقدمه ينال رضاء حضراتكم

تعليقات