القائمة الرئيسية

الصفحات

التحنيط عند المصريون القدماء وطرق وورش التحنيط والمواد والطقوس والوظائف المستخدمة

 التحنيط عند المصريون القدماء وطرق وورش التحنيط والمواد والطقوس والوظائف المستخدمة

 

التحنيط عند المصريون القدماء وطرق وورش التحنيط والمواد والطقوس والوظائف المستخدمة
منظر تخيلى لبيت الذهب أو ورشة تحنيط

خصص المصري القديم جزءً من موارده لتحضير مقبرة مجهزة تجهيزاً كاملاً لوفاته، لتأوى المومياء الخاصة به والحفاظ عليها.


بداية التحنيط : 


وقد أعتاد المصريون منذ أول تاريخهم على دفن موتاهم في الصحراء، فكانت بلا شك هي التي أوحت إليهم بفكرة الخلود بعد الموت، فرمالها الجافة البعيدة عن رطوبة الوادي، وحرارة الطقس على مدار السنة جففت جثث الموتى تجفيفاً طبيعياً، وأبقت لها المظهر الخارجي الذي جعل الإنسان يرى في الموت نوعاً من الانتقال من دنيا تمتاز بالحركة إلى نفس الدنيا تنقصها الحركة.

أعتقد القدماء أن المحافظة على الجثة هى الضمان الأول للتمتع بالدنيا الثانية وبالحياة الأبدية، فقد لعب التحنيط عندهم دوراً رئيسياً وأعطوه كل عنايتهم، وسخروا علومهم وخبرتهم له.

ولسنا ندري على وجه التحديد متى بدأ المصري يحنط جثث موتاه، والأرجح أن ذلك يرجع إلى أيام العصر العتيق، وقد بلغ التحنيط حدا ًكبيراً من التقدم في الأسرة الثالثة. ومما يؤسف له أنه لم تصلنا نصوص تسجل لنا مراحل التحنيط من العصور الفرعونية، ولكن لدينا وثائق كثيرة من العصر الروماني.


مراحل التحنيط:


تبدأ مراحل التحنيط بشكل عام عقب الوفاة مباشرة ، فالمحنطون يستدعون لمنزل الميت ويضعون الجسد على منضدة ويأخذونه إلى معلمهم "خيمة التطهير أو المنزل الطيب" وكانت تستمر إجراءات التحنيط في أغلب الاحوال سبعين يوماً، وكانت هذه الاجراءات يقلد فيها أسلوب المعالجة التي كان يظن أن الأله أوزوريس كان أول من تلقاها ، فالشخص المتوفي على ذلك يصبح أوزوريس من خلال تحنيط جسده، كما أن المحنطون كانوا يشخصون الألهة التي شاركت في تحنيط أوزوريس، وكان المحنط الأكبر هو الإله "أنوبيس" بينما مساعدوه كانوا يوحدون مع " أبناء حورس ". أما كاهن الخدمة "السم" والكاهن المرتل "خرى حبت"  فكانوا يعيدون التعليمات للمحنطين ويرددون الرقي المناسب.

وتبدأ إجراءات التحنيط بغسل الجسد بماء النيل ثم تنتزع الأجزاء الرخوة والتي هي أكثر الأعضاء قابلية للتحلل والتآكل. وتبدأ بإخراج المخ من الأنف بآلة معدنية لها طرف ملتو ، ثم يفتحون جانب الجثة ليخرجوا من الفتحة كل ما تحويه من عناصر رخوة ، ثم يغسلون الجثة من الداخل بنبيذ البلح وسوائل ذات رائحة عطرية ، ثم يملئونها بمسحوق المر و بمواد أخرى منها زيت الأرز، البخور، الشمع، العسل وزيت الزيتون كلها ذات رائحة طيبة ، أما القلب فكان يترك مكانه في الجسد والأعضاء التي تنزع كانت تحفظ في أربعة أوانى أطلق عليها اسم "الأوانى الكانوبية" أما المواد السابقة التي كانت تستخدم في التحنيط كان من المعتقد أنها نتاج دموع الألهة التي تساقطت على الأرض عندما بكوا موت أوزوريس وهي تحيي جسد الميت المحنط بقوه هذه الألهة.

توضع الجثة بأكملها في ملح النطرون للتجفيف لمدة تتراوح ما بين أربعين إلى سبعين يوماً ، وإذا أنتهت هذه المدة غسلوا الجثة غسلاً جيداً ، ثم لفوها في قماش كتاني بعد أن يغمسوه في سائل لاصق ، فكانوا يلفون أصابع اليدين كلاً على حدة بلفائف رقيقة جداً ، ثم يلفون اليدين والقدمين ، ثم لف الجثة بالكامل ، ثم يحكمون اللفائف بأشرطة من قماش سميك تتخذ اتجاهات متعارضة وتبدو كما لو كانت شبكة تحيط بالجثة. ومن المعروف أن المصرى القديم أعاد وضع أنواع مختلفة من التمائم من أحجار مختلفة أيضاً من الذهب لضمان الحماية من الأضرار والأخطار التى يقابلها الميت أثناء رحلته الطويلة فى العالم السفلى.


المحنطون:


 كانت الجثة تمر على مجموعة من المحنطون ، أنقسمت طبقاتهم إلى مراتب مختلفة منهم المحنط العادي"أوت" ثم المحنط "صاحب الختم" الذي يقوم بختم الجثة بعد الإنتهاء من تحنيطها وقبل عملية لفها في كفنها. ثم المحنط "كاهن أنوبيس" ثم "الرئيس العارف بأسرار التحنيط" ثم في النهاية "الكاهن المُرتل" الذي يردد الصلوات في كل مرحلة من مراحل التحنيط المتعددة ، والطقوس الجنائزية المتوارثة والتي أجريت للآله أوزوريس عند تحنيط جثته. وأعتقد المصري القديم أن التقصير في أداء هذه التراتيل يهدد صاحب الجثة في حياته الأبدية.


موكب الدفن : 


يُعرف موكب الدفن من خلال الرسوم والتصاوير الموجودة في المقابر في مختلف العصور ، بها بعض التفاصيل التي تبدو غامضة ، ومن هذه التفاصيل رحلتان يقوم بهما جسد المتوفى أحدهما إلى "بوزيريس" في دلتا مصر ، والثانية إلى "أبيدوس" ، وتصور السفن المتجهة إلى أبيدوس وتبدو هذه الرحلات مجرد ذكرى مصورة للدفنة الملكية. ثم أقتبس هذا المنظر في مقابر الأفراد ، ربما ليس لهما مقابل حقيقي ، وربما تختلط هذه المناظر مع عملية عبور النيل بواسطة الموكب الجنائزي . حيث تقع الجبانة في الضفة المقابلة لموطن المتوفى.

طقوس نقل المومياء : 


نقل المومياء إلى المقبرة في تابوت يوضع على قارب يتوسط موكب طويل.  يجر القارب رجال وثيران على زحافات بينما يسكب اللبن أمام الموكب ويتبع ذلك الأقارب من الذكور ثم الأصدقاء ، ويرافق التابوت سيدتان تتقمصان الإلهتين " أيزيس ونفتيس " تنحني أحدهما على رأس الميت والثانية عند قدميه ، وهناك زلاقة أخرى تحمل صندوقاً يحتوي على أواني كانوبية بها أحشاء الميت تتبع التابوت ، و جماعه من نساء أخريات منهن نائحات محترفات يمشين سوياً فى ملابس الحداد ، ويصرخن بصوت عالى ويزرفن الدموع ويمزقن جلاليبهن ويضربن على أجسامهن ويزررن التراب على رؤوسهم وملابسهن.

ويمشى أيضاً كهنة يحرقون البخور ، ويرتلون الصيغ الجنائزية ثم في النهاية صف طويل من الخدم يحملون التجهيزات الجنائزية من أثاث وأواني وصناديق الملابس في المقابل يقف الموسيقيون والراقصون فى إستقبال الموكب عند المقبرة ، وعند وصوله يؤدي طقس فتح الفم على المومياء.

طقوس فتح الفم
منظر تخيلى لطقوس فتح الفم


طقس فتح الفم وورش التحنيط :


شعائر فتح الفم تمت أولاً فى البيت الذهبى ، وهى ورشة أو محل تحنيط ثم بعد ذلك أمام أو في المقبرة وهي دائماً اللحظة الأساسية والضرورية أثناء الجنازة. وقد كان فتح الفم وفتح العينين والأذنين يقام على تمثال المتوفي ، يقوم بهذه العملية من الألهة الأله خنوم ثم الإله بتاح الخالق ، ثم قام الكهنة بهذا الاحتفال بعد ذلك وكان يراسهم الكاهن المعروف " السيم " وهو يرتدي جلد الفهد المميز له.  كان يقوم أولاً بتطهير التمثال ، ثم يضعه على قاعدة من الرمل مواجهاً وجهه نحو الجنوب ، ثم يقوم بطقوس فتح الفم والعينين والأذنين ، وذلك بأن يلمس وجه الميت بآلات مختلفة أشهرها الفأسان الصغيران المعروفان بإسم "نوتي" . 

ثم يردد قائلاً  " أنا أفتح فمك لكي تتكلم ، وأفتح عينيك لكي ترى "رع" ، وأذنيك لكي تسمع تبجيلك  ثم تمشي على قدميك لكي تدفع عنك الأعداء ". 

ويتبع ذلك بعض الطقوس التي يقصدون منها أن يستعيد الميت قدرته على تسلم الطعام ، الذي يقدم له يومياً في العالم الآخر ، ثم يقوم الكاهن بتخير التمثال ثانية.  ثم ينتهي الأحتفال . هذا الطقس لبعث الحياة والتحدث ثانية والتنفس وتتحرك وتحتفظ بوظائفها الحيوية ثم تنزل المومياء إلى غرفة الدفن ، وبعد العودة من الجنازة كانت تقام مأدبة غذاء بها ما لذ وطاب من الطعام لكل المشيعين.


السرداب :

عباره عن غرفة خاصة مغلقة ، أطلق عليها اسم " بر- توت " أى " دار التمثال " ،  ثم أطلق عليها " السرداب " وقد تم أستعاره هذا الأسم من العمال الذين عملوا مع " أوجوست مارييت"  وذلك لحفظ التمثال متجهاً ناحية الشمال أولاً ، وذلك حين كان الإيمان آنذاك بمستقر الروح بين نجوم القطب الشمالي ، ثم تحولت قبلته مُنذ الأسرة الرابعة إلى الشرق ، وذلك عقب تغلغل عقيدة الشمس في حياة الناس.

 وفي بعض الحالات تمثال يتجه للشرق وآخر للشمال وفي نفس السرداب للمحافظة على العادات والتقاليد ، يصل التمثال من داخل غرفته المغلقة بالعالم الخارجي كوة صغيرة يستطيع عن طريقها النظر للدنيا وأستقبال بخور القرابين وتقدماتهم.


الأوانى الكانوبية : 

الأوانى الكانوبية
الأوانى الكانوبية وأولاد حورس الأربعة


هي الأواني التي تحفظ فيها أحشاء المتوفي وقد ظهرت في الدولة القديمة ، كانت بسيطة الشكل في أغطيتها ، تفتقر إلى التعاويذ التي صارت نتقش على نظائرها في العصر المتأخر .ثم صنعت أغطيتها في الدولة الوسطى على هيئة رؤوس آدمية تمثل أصحابها ، ثم بعد الأسرة الثامنة عشر أغطية في صورة أولاد حورس الأربعة الذين يحرسون الأحشاء وهم : " إمستى " برأس أنسان ، و " دوا موت إف " برأس أبن آوى ، وحابى برأس قرد ، و " قبح - سنواف " برأس صقر  .

وعلى الرغم من خلو الأواني قبيل الأسرة التاسعة عشر من تلك الرؤوس المختلفة ، نعرف أن نفس الأرباب قد أرتبطوا بالأواني الكانوبية حيث ورد أسماءهم في نصوصها ، فضلا عن ذلك فقد طابقا مصريون بين هذه الاواني مع الآلهات " أيزيس ، نفتيس ، نيت ، سرقت " ، حيث ظهر أسمائهن في النقوش وقد أرتبط كل من " إمستى " بالإلهة " أيزيس " ، وأرتبط " حابى " مع الإلهة "نفتيس" ، وأرتبط " دوا موت إف " مع الإلهة "نيت" ، وأرتبط " قبح سنواف" مع الإلهة "سرقت" .

صُنعت هذه الأواني من مواد متعددة منها الحجر والخشب والفخار وكانت هذه الأوانى توضع داخل غرفة الدفن ربما داخل صندوق من الخشب أو الحجر ، زُين معظمها من الخارج بالنقوش والكتابات والآلهات الحاميات ناشرة أجنحتها لتضم محتويات الصندوق وتحفظها.

المصادر:

1- A

2- B

3- C

4- D

reaction:
Ancient Egypt
Ancient Egypt
عبدالرحمن محمد توفيق ، باحث ماجستير فى الديانة المصرية القديمة ونصوص العالم الأخر ، مرشد سياحى وعاشق لتاريخ وحضارة مصر القديمة ، أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن ما نًقدمه ينال رضاء حضراتكم

تعليقات