القائمة الرئيسية

الصفحات

الغزو الآشورى على مصر ومقاومة الاحتلال

الغزو الآشورى على مصر ومقاومة الاحتلال


آشوربانيبال
المك الآشورى آشوربانيبال



تعرضت البلاد في نهايه حكم ملوك نباتا للغز والاشوري ثلاث مرات :


الغزوة الآشورية الأولى 671 ق.م :


في عام 674 ق.م  أى في السنه السادسة عشرة من الحكم بدأ الملك الآشورى "اسرحدون" سلسلة من الهجمات ضد مصر أدت في النهاية الى سقوط أسرة ملوك نباتا، كان "اسرحدون" قد تولى من بعد "سنحاريب"، ورأى من الأفضل إعادة سياسة الغزو في فلسطين واستولى على "صور". 


ولم يمنع الفشل الذي منى به "طهرقا" في فلسطين من قبل في أن يحول أنظاره عن آسيا، بل على العكس نجده يتابع سياسة التحريض وإشعال الثورات ضد الآشوريين في سوريا أثناء إقامته في "تانيس" فهو بدون شك ولا أحد سواه الذي أثار التمرد فى "صيدا"، فقرر اسرحدون في 671 ق.م مهاجمة مصر مباشرة ونجح في عبور صحراء سيناء ووصل الى وادي الطميلات، وقد تفادى الدلتا، حيث تجمعت فيها بالتأكيد القوات المصرية، ودمر الحاميات المصرية، ووصل في خلال خمسة عشر يوماً إلى "منف" وأستولى عليها كما اثر الحريم وعائله طهراقا وقال: "أنه انتزع جذور كوش من مصر".


وأتجه بعد ذلك نحو الدلتا التي هاجمها من الخلف وأخضعها لسيطرته أما عن "طهراقا" فقد نجح في الهرب في البداية إلى طيبة، ثم هدد "اسرحدون" هذه المدينة، وسار بمحاذاة الوادي نحو الجنوب، على حين أسرع "منتومحات" بالاعتراف بالسيطرة الآشورية حتى يتجنب سقوط طيبة، وأرسل "منتومحات" الجزية لكي يتفادى لقاء الفاتح القوي، ويرى بعض المؤرخين أنه في بداية الأمر نجح "طهراقا" والمصريون الذين معه في مطاردة الغزاة إلى ما وراء الحدود الشرقية للدلتا.


ولكن في عام 671 ق.م  هُزم "طهراقا" بالفعل، وانسحب الى مصر العليا بعد سقوط منف، وأدرك "اسرحدون" أن السبيل الوحيد للاحتفاظ بالبلاد المنهزمة هو تقسيمها الى ممالك صغيرة متشابهة مثلما كان الحال عندك غزو "بعنخي" لها، وتبعاً لذلك قسمت البلاد إلى عشرين مقاطة منفصلة، ويحكم في كل منها أمير أصلي من المقاطعة، وسمحوا للأسرات المحلية بأن تبقى في أماكنها، و تولى مهام الحكم في سايس ومنف الأمير "نكاو" الذي كان فيما يبدو من سلالة "تف نخت" المنافس السابقى لبعنخى، وحفيد "باك ان رن إف"، وفي تانيس كان يوجد أمير يسمى "بادي باست"، و في مندس أقام هناك على العرش الأمير "بامي" الذي ربما كان أبناً للحكم الذي سلم هذه المدينة لبعنخى، واتبع اسرحدون نفس هذه السياسة في بعض الأقاليم الأخرى.

ولأسباب ما غادر اسرحدون مصر بسرعة ربما بسبب مرض مفاجئ ولم يترك وراءه غير قوات قليلة، استغل "طهراقا" رحيله لكي يحرض حكام الأقاليم الذين خضعوا لها أثناء الغزو الآشورى.


الغزو الآشورية الثانية 666 ق.م :


الملك طهراقا يقدم النيو للأله حورس ، متحف اللوفر باريس 


لم يعد طهراقا نفسه مهزوماً، فقد عاد في عام 669 ق.م إلى منف وبدأ يبحث عن حليف جديد في آسيا الصغرى، و حاول ان يؤلب الأمراء ضد الاحتلال الآشورى، وعقد هؤلاء الأمراء معاهدة مع طهراقا في مصر العليا، الذين فضلوا سيطرته علي سيطرة اسرحدون وكان هذا التحالف سبباً في عوده الآشوريين مرة ثانية في عام 666 ق.م، وكان طهراقا قد أستطاع أن يسترد منف ولجأ اسرحدون إلى القيام بحملة لكنه توفي في الطريق وبعد قليل أخذ أبنه وخليفته آشور بانيبال في تنفيذ مشاريع أبنه فأرسل قائده الأعلى الذي جمع قوات الإمبراطورية من فينيقيا وسوريا وفلسطين، ولم يكن قد مضى أكثر من ثلاثة أعوام على نجاح طهرها في جميع المصريين من حوله، وأرسل آشور بانيبال جيش الى مصر، و دارت المعركة في شرق الدلتا وهُزم الجيش المصري في "كار بانيت" ثم تقدم الغزاه الى منف، واستولوا عليها مره أخرى وفر طهراقا للمرة الثانية إلى طيبة وعندئذ تتبعه الغزاه بصعودهم النيل والأستيلاء على طيبة التي تعرضت للسلب والنهب ومن جانبهم ونجت من التدمير، مما خفف من وقع الكارثة. وبعد ذلك الآشوريين إلى مصر السفلى، وأقاموا الحميات في المدن الرئيسية، وعما قريب نجد أن "نكاو" أمير سايس واثنين او ثلاثة أمراء آخرين قد بدوا في التفويض مع طهراقا الذي أستقر من جديد في طيبة أملاً منهم في التخلص من الآشوريين.


وكشفت الحفائر التي أجراها "جريفيت" في منطقة "كاوا" بين الجندل الثالث والرابع عن خمس لوحات كبيرة تقص علينا أهم الأعمال التي قام بها طهراقا في السنوات الأولى من حكمه. وق أقام في تلك المنطقة معبداً مخصصاً للمعبود "آمون" على طراز المعابد المصرية، وأوقف الكثير من العمال و الصناع الذين جاء بهم من منف للعمل في هذا المعبد. وفي السنة السادسة من حكمه حدث إرتفاع كبير فى منسوب مياه فيضان النيل و تسبب في خسائر فادحة في بعض المعابد على الرغم أن طهراقا حاول أن يُقلل من ضخامة هذه الخسائر.

 وفي عام 665 ق.م، كان "طهراقا" يبلغ من العمر عندئذ حوالي السبعين، ففضل الإقامهة في نباتا وأشرك معه أبن أخيه شاباكا وكان يحمل اسم تانوت أمون، وتوفى "طهراقا" في عام 663 ق.م ودفن في "نوري".

 وعثر في البر الغربي في جبانة شيخ عبد القرنة على المقبره رقم 132 الخاصة "برع موزا" الكاتب الكبير للملك وهى من بين المقابر النادرة من هذا العصر في البر الغربي.


-يا كا رع - تانوت آمون 665-664 ق.م :

تانوت آمون


توجد تانوت آمون كملك على كل من نباتا و طيبة في عام 664 ق.م، ولم يتردد في الذهاب للإقامة في طيبة لكي يحاول غزو البلاد كلها، قد عثر في منطقة جبل البرقل على لوحة من عهده تسمى لوحة الحلم ويذكر عليها أنه في السنه الأولى من حكمه، شاهد رؤيا عبارة عن ثعابين أحدهما عن يمينه والأخرى عن يساره، وقد فسرت هذه الرؤيا على إنه سوف يصبح ملكاً على مصر العليا والسفلى ويحلى رأسه رمز المعبودتين نخبت وواجت.


وصل لطيبة وتقدم الى منف، وظل وفياً للآشور بانيبال وقتل أثناء الصراع، وسقطت منف فى أيدي مؤيدى وجنود تانوت امون، وقدم القربان للمعبود "بتاح" ثم أبحر وبعد ذلك ليقاتل أمراء الدلتا الذين فضلوا السلام على الحرب، وتقبل ولاء أغلب الأسرات المحلية في الدلتا، وفيما بعد نجد أن الدلتا كلها بدأت تثور ضد الآشوريين وتتحالف مع تانوت آمون الذي كان قد دعا أمراء الدلتا إلى قصره وكان المتحدث بلسانهم وهو أمير سوبد "باخروري" وفي هذه الأثناء كان "منتومحات" يتولى شئون طيبة، وطغى سلطانه على نفوذ كبير الكهنة واكتشفت له آثار عديدة تبين أنه كان موالياً  لطهراقا و تانوت آمون.


الغزوة الآشورية الثالثة 664 ق.م :


على الرغم من أن الآشوريين قد طردوا من مصر للمرة الثانية فإنهم لم يترددوا في العودة إليها مرة آخرى وأصبح الطريق ممهداً إمام "آشور بانيبال" لدخول مصر، وتقدم بجيشه دون أن يقوم بمعركة فعلية وقد فى " تانوت آمون" إلى طيبة. وجاء حكام الدلتا الموالين للآشوريين لتقديم فروض الطاعة للفاتح.


وفي هذه المرة أراد آشور بانيبال أن يعاقب بشدة عدوه، وتتبعه حتى طيبة واستولى على المدينة التي نهبها ودمرها ومن بين الغنائم التي سلبها سلتان يغطيهم الذهب والنحاس. وذاع نبأ سقوط المدينة الكبرى في جميع أنحاء العالم القديم، وقد أشير إلى هذا في الكتاب المقدس في سفر ناحوم الجزء الثالث، الذي ذكر أيضاً أن أطفالها قتلوا في كل مكان في أنحاء المدينة وحكم على نبلائها بالنفى والأسر وقيد كل كبار نبلائها بالسلاسل.


أما عندي "تانوت آمون" فقد أرغم على الفور فيما وراء الحدود الجنوبية الى نباتا. وهكذا عادت "تانوت آمون" الى كوش، حيث لم يعد من هناك على الإطلاق وتوفي هناك ودفن في "كورو" . وهو يُعد آخر ملك في سلالة ملوك نباتا الذين حكموا مصر، ولن نرى أى ملك من هذه السلاله يحكم مصر بعد ذلك، ولكن هذه السلالة أستمرت وعاشت لعدة قرون في منطقة "نباتا ومروى" وحكمت هناك شعباً لا ينتمي بأية روابط سياسية مع شعب مصر، وأصبحت اللغة الكوشية نقية وكذلك الكتابة وهي تختلف عن الهيروغليفية على الرغم من ان التأثير المصري كان لا يزال واضحاً، و تسمى هذه اللغة باللغة المروية وأغلب ما كشف عنها يبين التأثير المصري، وكان عبارة عن نصوص دينية، كتبت على لوحات قبور أو موائد قرابين، وفيها نصوص سجلت على جدران معبد "كلابشة" من العصر الروماني و معبد أيزيس في فيلة من العصر اليوناني الروماني. ومن الملاحظ أن المقابر هناك أخذت شكلاً هرمياً وسنرى هذه الدولة تحافظ على استقلالها حتى عام 350 ق.م.


وفي نقوش عثر عليها في الكرنك يذكر لنا "منتومحات" الأعمال التي قام بها في محاولة لإعادة بناء ما دمر الغزاة  فهو يقول: "لقد ظهرت كل المعابد، وهذا ما يجب عمله لإنها سرقت بعد غزوة قام بها أجانب أنجاس".

 ويتحدث عن الكارثة كما لو كانت "عقاباً مقدساً" وكان يبحث دائماً عن وسائل جديدة يُعيد بها إلى المعابد هيبتها وكان يمضي أيامه ولياليه في البحث.

 وقد شيد قارباً جديداً  للاحتفالات خاصاً بآمون، وكذلك مقاصير جديدة وأقام التماثيل للمعبود، وقد شيد من جديد معبداً "للمعبودة موت" زوجة آمون في الكرنك و قام بتنظيف البحيرة المقدسة، وأصلح تماثيل المعبود خونسو المحطمة، ورمم من جديد مقاصير المعبودات الأخرى في طيبة وفى قفط في شمال الأقصر، أصلح تمثال للمعبود مين، المعبود المحلي، وقد ترك نقشاً في أبيدوس يدل على مروره بها وقد رمم المعبد وشيد قارباً مقدساً للمعبود اوزير، وفي النهاية حفر لنفسه مقبرة ضخمة في جبانة طيبة، لكن كل هذه الأعمال قد قضى عليها بسبب الصعاب والاضطرابات التي حلت بالبلاد فيما بعد.


المصادر:

1-محاضرات الدكتور هيثم طاهر ، تاريخ مصر فى العصور المتأخرة 2017

2- موسوعة مصر ، سليم حسن ، الجزء العاشر ص401، ص 441

3 - Brewster, J.H., Ancient Records of Egypt, 5 vols., Chicago 1906 - 1907

4- El- Good, P.G., the later dynasties of Egypt, oxford 1951 

4- ويكيبديا

reaction:
Ancient Egypt
Ancient Egypt
عبدالرحمن محمد توفيق ، باحث ماجستير فى الديانة المصرية القديمة ونصوص العالم الأخر ، مرشد سياحى وعاشق لتاريخ وحضارة مصر القديمة ، أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن ما نًقدمه ينال رضاء حضراتكم

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق