الأدب المصرى القديم ومراحل تطوره وبعض القصص منه
متون الأهرامات |
عاش العديد من الأعمال الأدبية من مصر القديمة الاف السنين . فقد ألف المصريون القدماء الحكايات والابتهالات و التراتيل والأساطير والأمثال والقصائد ، فضلا عن قصص الرحلات والمغامرات . وبقيت حتى الآن سير ذاتية ، وقصص حب عاطفية وشعرية ، وحكايات خرافية فائقة الخيال ، رغم أن أسماء مؤلفيها لم تعش .
ويعتبر الإنتاج الأدبي في عصر الأسرة العشرين من أرقى أنواع الأدب ،. وأضفت المهارة الهائلة في التعبير ، مع روح الفكاهة ، والسخرية ، والبلاغة والتلاعب بالألفاظ سحرا على الكتابة ، وسرعان ما انتشرت هذه الأعمال الرائعة إلى بلدان أخرى لتلهم الكثير من الكتاب .
مرحل تطور الأدب المصرى القديم :-
انقسم الأدب إلى نوعين :
1-الكتابات المقدسة
2- الكتابات غير الدينية
و كتبت النصوص المقدسة لإرشاد المتوفی عبر أخطار العالم السفلي إلى طريقه للانضمام إلى أوزوريس في " أمنتي" ، وتكونت هذه النوعية من الكتابات الأسطورية والفلكية والسحرية ، بالإضافة إلى الشعائر و التراتيل للمعبود والنصوص الجنائرية . وتعتبر "متون الأهرامات" قدم الكتابات المصرية الباقية وهي منحوتة داخل أهرمات الدولة القديمة ، ويشار إليها في الأغلب الأعم باسم "كتاب الموتی" .
وغالبا ما ينقش على المقابر سيرة المتوفي وانجازاته ، وتتضمن الكتابات غير الدينية سردا الأحداث مهمة في حياته ومنها : المآسي والمغامرات والمخاوف والآمال و أوقات الفرح و أوقات الحزن .
ومن بين أرقى الكتابات ما جاء في ميدان الشعر الرومانسي والغنائي ، أكثر أشكال التعبير الإبداعي المصري فردانية . وتعتبر تراتيل الملك "أخن أتون" الرائعة لمعبوده الشمسي " آتون " أمثلة ممتازة على هذا النوع من الأدب.
وظهرت الكتابة الدينية خلال عصر الأسرة الثانية عشرة ، وقبل ذلك ، كانت القصص تروی ، وتتناقل شفهيا عبر الأجيال ، وفي ذلك العصر تطورت الحكاية السردية لتصبح حرفة راقية .
وبعد ثماني أسرات تطور الشعر الرومانسي والقصص الخرافية إلى أنواع أدبية متميزة .
وظهر أدب الحكمة فائق التطور ليعبر عن أفكار العصر الفلسفية ، وعملت العديد من الكتابات كتعاليم تعتمد على قوانين "ماعت " - الفضائل ، والقيم ، والمرشد الأخلاقي الذي كان على المصريين القدماء الحياة وفقا لها .
وتتكون هذه الفضائل من : الاستقامة ، والتواضع ، والاحترام ، والأمانة ، والعدل ، والاعتدال ، والمعروف . وتحتوي "تعاليم هارنجينيف" على مجموعة قوانين أخلاقية . وكان هارنجيديف حكيما في الأسرة الرابعة ، جمع هذه الأفكار لابنه كي يعيش بمقتضاها .
أما تعاليم بتاح حتب المكتوبة أيضا خلال عصر الدولة القديمة ، فهي نص يحتوي على ملاحظات أخلاقية كتبها "بتاح حتب " الحكيم والوزير من الأسرة الخامسة.
قصة الأخوين "الصدق والكذب" :
تظهر قصة رائعة بعنوان الصدق والكذب " أو " ماعت وجيريج" بوضوح أهمية أن يكون الإنسان صادقا .
ففي الزمن الذي كان فيه "رع " يحكم غيه مصر كبشر فان ، عاش شقيقان يدعى أحدهما "الصدق" وهو طاهر من الخطايا ويحيا وفقا لقوانين" ماعت" ، بينما يمتلك شقيقه "الكذب" أكثر القلوب سواداً وكان معتادا على الخطايا . وفي أحد الأيام طلب" الصدق" أن يستخدم سكينا من سكاكين أخيه . وتردد"الكذب" لكنه وافق في النهاية .وعند انتهاء اليوم ، اكتشف " الصدق" أنه أضاع مسكين أخيه فرجاه أن يسامحه ووعده أن يعوضه بدلا منها فورا . فأجابه "الكذب" بأن "السكين كان فريدا ولا يمكن تعويضه" .
وقال "الصدق " إنه كان سكينا عاديا وإنه سيعطيه بدلا منها سكينا أكثر حدة وأكبر حجماً ، فأصر "الكذب" على تعلقه بسكينه الذي صار فجاة غير عادي ! وشعر" الصدق" بالعجز .
وأحضر " الكذب" شقيقه " الصدق" أمام تاسوع آلهة " إیونو " ليحكموا بينهما . وأصر على إدعاءاته الكاذبة ، بينما ظل " الصدق مأخوذا بمدى زيف شقيقه و اتهاماته . ووقف في رهبة بينما حكم الآلهة لصالح شقيقه ، حيث لم يستطع هو أن يدافع عن نفسه .
وعندما سئل " الكذب" بواسطة الآلهة عن العقوبة التي ينبغي أن تطبق على شقيقه ، أجاب أن تؤول جميع ممتلكات شقيقه إليه ، وأن يصبح "الصدق" خادما له وأن تقتلع عينيه. وبعد تنفيذ كل ذلك ، وشاهد " الكذب " شقيقه أعمى شعر للمرة الأولى بالذنب . ولم يستطع تحمل الشعور فأم بقتل "الصدق" . وفي ذلك الوقت شعر رجال "الكذب" بالشفقة العميقة على سيد هم السابق ، وبدلا من قتله قرروا أن يتركوه في وسط الحبال الوعرة مع بعض المؤن . وكان على الآلهة أن تصدر القول الفصل في مصير "الصدق" .
وجاب "الصد "عبر الوادي متلمسا طريقه بينما يتناقص ما لديه من غذاء وماء في بطء . ورقد ليستريح متمنيا أن يخلصه الموت مما هو فيه. وبعد وقت قصير مرت امرأة جميلة ومعها خادمتها ، فعثرت على الشاب العاجز الكفيف وهو على وشك الموت و أخذته إلى عزبتها ، وأمرت له بحمام من الزيوت ، وأطعمته فخر أنواع الطعام ، وألبسوه ملابس نظيفة من الكتان ، ثم منحته وظيفة "حارس الباب" ولكن سرعان ما أصبح هو ومضيقته عاشقين .
ونتيجة لذلك وبعد الفترة المقدرة ولدت طفلا كبر ليصبح رجلاً قوياً ووسيماً غير أنه لم يكن يعرف أباه . وفي أحد الأيام عندما كبر بما يكفي ليتسائل توسل بي أمه لتخبره عمن يكون أبوه . فأشارت إلى "الصدق" ، الذي كان جالسا يحرس بوابات أملاكها .
وشرحت للولد أنها أحبت " الصدق" حباً شديداً ، ولكن للأسف إن القانون لا يسمح لسيدة من طبقة النبلاء أن تتزوج خادماً كفيفاً.
وأشتد غضب الصبي على نحو بالغ ، وتحدث إلى والدته بتحد للمرة الأولى . وأعلن أن والده لن يجلس بعد ذلك كخادم وحارس على البوابات . وذهب إلى "الصدق" وأخذ بيده إلى العزبة ، وألبسه ملابس النبلاء . وشعرت الأم بالفخر الشديد إزاء هذا المعروف الجريء ، الذي ألهمها بدورها أن تقيم وليمة فخمة على شرف "الصدق" . وخلال السهرة أعلنت أن الخادم الكفيف لم يكن فقط والد ابنها وإنما حب عمرها . وهنا أخذ الصبي يتعجب كيف يمكن أن يعاني رجل طيب مصيرا كمصير "الصدق " ولم يكن أمام الصدق إلا أن يخبر ابنه القصة كلها ، وكيف خدعه "الكذب " ، وهو ما أثار حفيظة الصبي الذي تعهد بالثأر من عمه .
وفي اليوم التالي اختار الصبي أفضل الثيران وأكبرها واتجه إلى "الكذب" وفى طريقه توجه إلى راع للغنم وشرح له أن لديه عملا يستغرق منه بضعة أيام ، ولن يستطيع أن يأخذ الثور معه . وطلب من الراعي أن يعتني بالثور حتى عودته ومنحه مبلغا طبيا من المال ثم اتخذ طريقه إلى البلدة سراً . وخلال ذلك الوقت زار " الكذب " الراعي لينتقي ثوراً جديدا لمزرعته . وفورا اختار الثور الكبير ، ورغب في الحصول عليه من أجل وليمة يعتزم إقامتها .فاحتج الراعي بأن الثور ليس للبيع وأنه يعتنى به فحسب لحساب التاجر المسافر .وعندما لم يجد الراعي أي خيار آخر أذعن للأمر مرغماً.
وفي اليوم التالي جاء ابن" الصدق " ليستعيد ثوره ولاحظ اختفاءه ، فتلعثم الراعي وتمتم بالفعل أنه يستطيع أن ياخذ أفضل الثيران بدلاً منه. فأشتد غضب الصبي ورفع دعواه إلى آلهة " آيونو" التسع قائلا : أن الثور كان ارتفاعه يبلغ عشرة أقدام وأنه متفرد ولا يوجد بديل له " ، فتحدث "الكذب" بهدوء وقال : إن الثور كان يزيد في الحجم قليلا من الثيران الأخرى ، ولكن طوله لم يكن عشرة أقدام ! ودهش الألهة أيضا من إدعاءات الصبي بشأن هذا الثور العملاق ، لأن حيواناً مثل هذا لم يحدث أن شاهده أبدا إنسان ولا إله . وهنا رد الصبي سائلاً الآلهة عما اذا كانوا رأوا سكينا مثل التي وصفها " الكذب " قبل سنوات . وكشف الصبي عن هويته ، وفضح خداع وزيف " الكذب " أمام الآلهة التسعة .
وحول الآلهة أنظارهم إلى " الكذب " بينما هو يتوسل طلبا للمغفرة ، ولتأكده من أن " الصدق " قتل على أيدي رجاله قبل سنوات اقترح في دهاء أنه لو كان " الصدق" حياً فإنه يقبل أن يعاني نفس المصير الذي كان على أخيه أن يواجهه . وسر الآلهة بهذا الاعتراف و اختيار العقوبة . وفي تلك الأثناء أرسلوا من يبحث عن" الصدق" في العزبة وأحضروه أمام الجمع ، وفزع " الكذب" لمرأى أخيه ، وفزع أكثر عندما وجد نفسه يجر إلى عقوبة الموت التي نطقها بلسانه . أما " الصدق" فلم يستعد أملاكه وثروته فحسب ، بل أن الألهة كانوا رحماء به لدرجة أنهم أعادوا إليه بصره . ولما أستعاد وضعه كرجل نبيل مضي قدما في الزواج من أم ابنهما الرائع.
الأدب فى الدولة الوسطى:
وعرفت الدولة الوسطى بأنها العصر الذهبي للأدب حيث ظهرا أجناس أخرى في الكتابة . ومن الأرجح أن الأعمال التي صدرت خلال هذا العصر كانت مماثلة لأعمال أقدم تعود إلى الدولة القديمة . وعلى مدى القرون غالبا ما كانت هذه الأعمال بنسخها تلاميذ المدارس کتمارين للتدريب على الكتابة.
وشملت الأعمال المصرية غاليا قصص عن المعبودات ، ومجموعات من الحكم أو الأمثال ، والملاحظات الأخلاقية والخبرات الحياتية ، وعدة روايات القصة الخلق ، واستوحى المصريون العديد من الأساطير والتراتيل أيضا من الشمس والنيل مصدري الحياة . وكان أدب الحكمة مشوباً بالسياسة يكرس مكانة وسلطة الفرعون ، ووفرت الأبحاث العلمية مثل : " بردية رایند في الرياضيات" ، والنصوص الطبية مثل تبردية "إیبرس " التي تعود إلى الدولة الحديثة ، ثروة من المعلومات في هذه الأمور .
ومنذ عصر الدولة القديمة فصاعداً ، جرى تصنيف هذه الأعمال وتجميعها ، وإدخال التحسينات عليها ، والرجوع إليها للاستفادة منها على مر القرون .
وغالبا ما تنتهي القصص برسالة أخلاقية . ومن أشهر الأعمال في الدولة الوسطى "قصة سنوحي" التي تبرز تعلق المصري بوطنه ، وتعبر قصة "سارق الكنز " عن الإعجاب بالمكر والنهاية السعيدة المعتادة ، وتحمل قصة " الملاح التائه " تشابها مع أعمال ظهرت بعد ذلك مثل السندباد البحري ، فكلا القصتين تتضمن تجربة ملاح تائه على جزيرة يسكنها ثعبان عملاق . وهناك قصة أخرى كتبت خلال عصر أحمس الثاني ( في الأسرة السادسة والعشرين ) توازي مع قصة " سندريلا " ، وتشمل كلا القصتين حذاء أحمر وبحث عن المرأة التي تتناسب قدمها الحذاء تماماً.